Imprimer

ألقاعدة الأخلاقيّة


يدور في أذهان الناس أنّ الوصايا العشر تحتوي كلّ الأخلاق المسيحيّة. الحقيقة أنّها نموذج وأنّ ثمّة خطايا كثيرة لا تذكرها هذه الوصايا. أضف إلى أنّ الوصيّة الثانية: «إحفظ يوم السبت لتقدّسه» هي أمر طقوسيّ يهوديّ ولم نبق مرتبطين به فالربّ بقيامته حرّرنا من يوم السبت. وإقلاعنا نحن عن العمل يوم الأحد ليس وصيّة إلهيّة. هو ترتيب كنسيّ، والأصل فيه إقامة القدّاس الإلهيّ. في العهد القديم عينه القاعدة الأشمل هي هذه: «أحبب الربّ إلهك حبّك لنفسك» (لاويّين ١٩: ١٨). هذه اتّخذها يسوع: «أحبب الربّ إلهك بكلّ قلبك وبكلّ نفسك وبكلّ ذهنك. تلك هي الوصيّة الأولى والكبرى». وبعد هذا أضاف: «والثانية مثلها: أحبب قريبك حبّك لنفسك» (متّى ٢٢: ٣٧ــ٤٠). ثمّ في إيجاز كلّيّ يقول: «بهاتين الوصيّتين ترتبط الشريعة كلّها والأنبياء». الأخلاق في تعليم يسوع هي المحبّة.


ولكن ما الرّباط بين هذه الوصيّة الجديدة والوصايا العشر؟ هنا يوضح بولس: مَن أحبّ غيره أتمّ الشريعة. فإنّ الوصايا التي تقول: «لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشته» وسواها من الوصايا، مجتمعة في هذه الكلمة: «أحبب قريبك حبّك لنفسك». فالمحبّة لا تُنزل بالقريب شرًّا، فالمحبّة إذًا كمال الشريعة» (رومية ١٣: ٨ــ١٠).

قد يبدأ الإنسان بالمحافظة على الشرائع، ثمّ إذا عرف يسوع يفهم أنّ قدرتنا على إتمامها تأتي من نعمة الله. فحتّى لا تكون الوصايا سيفًا مصلتًا فوق رأس الإنسان ينبغي أن تنبع من القلب الذي استضاء بنور المسيح. هذا هو العهد الجديد الذي تحدّث عنه إرمياء بقوله: «وأُسكنهم في الطمأنينة، فيكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا، وأُعطيهم قلبًا واحدًا... وأقطع معهم عهدًا أبديًّا أنّي لا أرجع عنهم» (٣٢: ٣٧ــ٤٠). فلكون الروح القدس ساكنًا فينا ونعرف الطمأنينة التي لنا من الله ننفّذ كلّ كلمة منه. فإذا صارت كلمة فينا تنبع هي بالعمل الصالح.


نحن صرنا في ملكوت المسيح وفي سيادته علينا، في ذوقنا لحبّه لنا نعمل ما يرضيه وهذا يعطينا الفرح. عند ظهور الملكوت بالمسيح أعطانا يسوع شرعة الملكوت المكثّفة في إنجيل متّى في ما يُسمّى عِظَة الجبل الواردة في الإصحاحات الـ٥ والـ٦ والـ٧ وما يقابلها في إنجيل لوقا.


هذه تبدأ بالتطويبات: «طوبى للمساكين بالروح». يسوع لا يأتي بشريعة لا يعرف العهد القديم أصولها. إنّه جاء ليكمل تلك. يسوع يحقّق النبوءة ويصل بها إلى كمالها. يجعلها ممكنة بالحبّ الذي هو أعطاه. يسوع يملأ الشريعة القديمة ويربطها بسرّ الحبّ. كانت وصيّة فوق الإنسان. الآن تأتي من الإنسان الذي أسلم نفسه للسيّد.


يسوع يصل إلى الجذور. «سمعتم أنّه قيل للأوّلين: «لا تقتل...» أمّا أنا فأقول لكم: "مَن غضب على أخيه إستوجب حكم القضاء". كذلك: «سمعتم أنّه قيل «لا تزنِ»، أمّا أنا فأقول لكم: "مَن نظر إلى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه". المسألة ليست أن نمتنع عن شيء خارجيّ بل أن نطهّر القلب كيلا يميل إلى السوء.
من هنا أنّ الاخلاق المسيحيّة تقوم على أن يروّض الإنسان نفسه على أن تحبّ السيّد وأن يراقبها حتّى تمتنع عن الخطيئة وتحبّ الخير. إذ ذاك، الوصايا تنبع تلقائيًّا من القلب المتطهّر.
ألمطران جاورجيوس خضر.