• 1

  • 2

  • 3

  • 4

Copyright 2024 - Propriété AGOAP - 2014


✥ السِّنْكسَار ✥
✥ أَحَدُ الدَّيْنُونَةِ أو أَحَدُ مَرْفَعُ اللَّحْمِ: إنّ السبت مكرّس بصورة خاصة لتذكار المؤمنين الراقدين. وثمة صلة واضحة بين هذا التذكار وذكر الدينونة الأخيرة. يُدعى هذا الأحد "أحد مرفع اللحم" لأنه آخر يوم يسمح به بأكل اللحم. ويجب منذ الاثنين, إن كان ذلك ممكنا الامتناع عن اللحم حتى عيد الفصح. واستعمال السّمك، الحليب، السمن والبيض مسموح طيلة أيام هذا الأسبوع, ومن ضمنها يومي الأربعاء والجمعة. يقول الرسول بولس في الرسالة (1 كو8:8 -13)و(1:9-2), ما يلي: إن أكل اللحم أو عدم أكله هو شيء سواء بحد ذاته. ولكن هذه الحرية التي نملكها, يجب أن لا تصير معثرة للضعفاء. فالإنسان الذي يؤمن بالله الواحد ولا يؤمن بحقيقة الأصنام, يستطيع أن يأكل لحم الضحايا المذبوحة. فإذا كان أخ أقل تبصراً, يفكر بالأمر على انه نوع من الاشتراك في عبادة الأوثان, فمن الأفضل الامتناع, من اجل احترام ضمير الأخوة الذين من اجلهم أيضاً مات المسيح. يجب أن يتجنب من يعتبر ان له أسباباً وجيهة أن لا يصوم أو أن يصوم أقل كل ما من شأنه ان يعثر أو أن يجرح ضمائر أضيق أفقاً. ويصف الإنجيل في القداس الإلهي الدينونة الأخيرة "إذا جاء ابن الإنسان في مجده", فيفصل النعاج عن الجداء, مقيماً الأبرار عن يمينه والخطأة عن يساره. ويدعو الذين أطعموه وسقوه وكسوه وزاروه, تحت الهيئة البشرية للفقراء والسجناء والمرضى, إلى الدخول في ملكوت الآب. ويقصي من الملكوت الذين تصرفوا بوجه آخر. ويحوي بوضوح هذا الصوف للدينونة, قسطاً من الرمزية. فنحن الذين نصدر الحكم على أنفسنا بمقدار ما نكون باختيارنا قد لازمنا الله أو رفضناه. فعلينا بالمقابل أن نسمع بصورة واقعية جداً ما يقوله المخلص عن حضوره في الذين يتأملون, لأننا فقط فيهم نستطيع أن نبادر إلى إعانة الرب يسوع. إن صلوات هذا الأحد تعطي انطباعاً عاماً من الذعر أمام حكم الله. فيدور الكلام فيها على كتب مفتوحة, وملائكة خائفين, وجداول نار, ورجفان أما المذبح, ولكن الظلام الذي يمكن للخاطئ أن يختار الارتماء فيه, يجب أن لا ينسينا جانب النور والرجاء.
« لمّا تجلس لتدين الأرض يا دياناً مقسِطاً عادلاً فللصوت القائل هلمّوا اجعلني وأنا أيضاً أهلاً». هذا المثَل قد وضعهُ الآباءُ الإلهيون بعد المثَلَيْن السابقَيْن لكيما إذا رأى الإنسان تعطّف الله الوارد بهما لا يجيز حياتهُ بكسلٍ قائلاً إن الله هو عطوفٌ ومحبُ البشر وعندما أرجع عن الخطيئة يمكنني أن أصنع كل شيءٍ بسهولة. فرتّبوا هذا اليوم الرهيب ههنا لكي بواسطة ذكر الموت وتوقّع النوائب العتيدة يُرهِبوا أولئك الراسخين في الإهمال والتواني وينهضوهم إلى الفضيلة وألا يثقوا بتعطّف الله فقط بل ينظروا دائماً بأن الله ديّانٌ عادل ويجازي كل أحدٍ نظير أعمالِه. وعلى الأخص لمّا تقدّمت بالأمس النفوس فوجب أن يوافي القاضي. فكأن هذا العيد الحاضر قد وُضع ههنا لنهاية جميع الأعياد وسيكون أيضاً غاية جميع أمورنا. ويجب أن نتأمل أن في الأحد المقبل سيضعون تذكار بِدء العالم مع سقوط آدم من الفردوس وأمّا هذا فنهايتنا كلنا وانقضاءُ العالم. وعلى ما يلوح لي أنهم وضعوا ذكر الدينونة في مرفع اللحم ليسكّنوا التنعّم والتلذّذ والنهم بخوف التذكار الوارد في العيد ويدعونا إلى الإشفاق على القريب. وأيضاً بحيث لمّا تنعّمنا نُفينا من فردوس عدن وصرنا تحت اللعنة والدينونة. فلهذا وُضع هذا العيد الحاضر ههنا تنبيهاً أننا في الأحد المقبل بواسطة آدم عتيدون أن نُطرَح من عدنٍ حسب الرسم إلى أن يوافي المسيح ويردّنا للفردوس ثانياً. ثم دُعي مجيئاً ثانياً لأنهُ أولاً أقبل إلينا بالجسد لكنهُ بهدوء وبغير مجد. وأمّا الآن فيوافي من السماءِ بعجائب تفوق الطبع وبهاءٍ ساطع بجسدِه أيضاً حتى يُعرّف عند الكل أن هذا هو الذي جاءَ فيما سلف وأنقذ الجنس البشريّ وهو العتيد أن يدينُه ويفحص أن كان حفظ حسناً ما دُفع إليه فأمّا متى يكون هذا المجيءُ فلا أحد يعلم بذلك لأن الرب قد أخفى هذا حتى وعن الرسل أيضاً لكنهُ أعلن أنهُ سيتقدّم ذلك علامات ما التي بعض القديسين شرحوها بأوسع بيان. ويجب أن نعلم أن المسيح لن يطلب في ذلك الوقت صوماً وعرياً وعجائب إذ وإن تكن هذه الأشياءُ هي جيّدة لكن يطلب الأفضل من ذلك كثيراً أعني صَدَقة وشَفَقَة. لأنهٌ سيقول للصديقين وللخطأة ستّة أشياء لأني جُعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني ومريضاً فافتقدتموني وفي الحبس فزرتموني لأنكم مهما عملتم بأحد هؤلاء الأصاغر حسب طاقة كل أحد فبي صنعتموه. حينئذٍ كل لسانٍ يعترف أن الرب يسوع المسيح لمجد الله الآب. فأمّا العقوبات التي سلّمها الإنجيل الشريف فهي هذه سيكون هناك البكاءُ وصرير الأسنان دودُهم لا ينام ونارُهم لا تُطفأ واطرحوهُ في الظلمة القصوى. فجميع هذه اقتبلتها كنيسة الله جلياً وتزعم أن النعيم وملكوت السموات هي التصرّف والتدبّر مع قديسي الله والبهاءُ والارتقاءُ العديما الانقضاءِ لهما اللّذان سيكونان هناك وأمّا العذاب والظلمة وما أشبه ذلك فهو الابتعاد من الله وفناءُ النفوس بواسطة تقريع الضمير لأجل ما عدموهُ من الاشراقات الإلهية بواسطة التواني والنعيم الوقتي.
فبإفراط تعطفك الذي لا يوصف أيها المسيح الإله أهلنا لصوتك المأثور وأحصنا مع الماثلين عن ميامنك وارحمنا. آمين.
✥ ١- القديسون الأبرار يوحنا وموسى وأنطيوخوس وأنطونينوس‎ ‎‏(القرن5م)‏.
✥‏ ٢- القديسون الأبرار زبيناس وبوليخرونيوس وموسى وداميانوس‎ ‎‏(القرن5م)‏‎.
✥ ٣- القديس الشهيد كليمنضوس: مات بحد السيف.
✥ ٤- القديسة الشهيدة ثيا‎: قضت بحد السيف.
✥ ٥- القديس البار يوحنا الحصّاد (القرن11م)‏: من صقلية. وقعت أمه في أسر المسلمين لكنه تربى على الإيمان بالمسيح. عاد إلى كلابريا واعتمد وهو في سن الرابعة عشرة. أحب أن يقتدي بالقديس يوحنا المعمدان نموذج حياة لنفسه. انضم إلى ناسكين، أمبروسيوس ونيقولاوس، عاشا على قمة كونسولينو. كان تلميذاً مثالياً، مطيعاً نشيطاً في العمل والصلاة. عُرف بالحصّاد لأنه خرج إلى الحصاد مرة فهبت عاصفة هوجاء. كل الحصادين تفرقوا إلا هو. ولما عادوا وجدوا الزرع محصوداً ومجموعاً في حزم فلقبوه ب "الحصّاد". اختاره الإخورة رئيساً عليهم وعُرف الدير، فيما بعد، باسمه. لما رقد أجرى الله برفاته العجائب.
✥ ٦- القديس البار داميانوس الآثوسي: ترهّب شابًا في دير اسفيغمانو في جبل آثوس، كان مطيعًا لا للرئيس وحسب بل لجميع الإخوة أيضًا كما لله نفسه. أضحى نموذجًا للحياة الملائكيّة يُحتذى. كان يشتاق إلى الصلاة المتواصلة. إستأذن أباه الروحيّ وتنسّك في جبل السامرة، على مقربة من الدير. ولكي لا يغتّر بنفسه كان يتبع مثال أحد النسّاك في الجهاد والأتعاب ويسير على خطاه. فاجأته عاصفة مرة وهو عائد إلى قلاّيته، استجار بالله للحال وجد نفسه على باب منسكه. رقد بسلام في الربّ في السنة 1280م، فاض الطيب من جسمه وفاحت رائحته حتّى إلى مسافة ميل من الدير.
✥ ٧- القديس الجديد في الشهداء لعازر البليوبونيزي: أصله من قرية البليوبونيز. نشأ على التقوى ومخافة الله. صار كاهنا. علّم ووبخ المنافقين. أحد هؤلاء قبض عليه الأتراك وحكموا عليه بالموت، لكنه كفر بالمسيح فأُعفي عنه. هذا دعا الأب لعازر الى الكفر بالمسيح، الا أن الاب لعازر زجره وردّه فحقد عليه واختلق الأكاذيب في شأنه. قبض الأتراك على الاب لعازر وحاكموه. اعترف بإيمانه بالمسيح وتمسك به. حاولوا استمالته ففشلوا. عذبوه فلم يُجْدِ التعذيب فألقوه في النار أمام عيون كل أهل القرية. أمه كانت حاضرة فأخذت تشجعه على الثبات بالإيمان بالرب يسوع الى النهاية وألاّ يخشى الموت. استحال رمادًا. جاء مسيحيون وجمعوا رماده.
✥‏ ٨- القديسة غورغوني ‎‏(القرن4م)‏: هي الأخت البكر للقدّيس غريغوريوس اللاهوتي. والداها، غريغوريوس و نونا، كلاهما قدّيس في كنيسة المسيح. أخذت عن أبويها الغيرة على الإيمان. تزوجت وأنجبت ثلاث بنات. أثّرت في زوجها، أليبيوس، فأضحيا معاً رفيقين في جهاد الفضيلة. كانت، بين النساء، مثالاً للمرأة المؤمنة يُحتذى لهدوئها وخفرها واتزانها ورجاحة عقلها واهتماماتها الإلهية واحتشامها وتقواها. كثيرة الأصوام والصلوات. كان العديدون يسترشدون لديها لحكمتها وفهمها ورزانتها. توقيرها لكنائس المسيح والكهنة والخدّام كان مميزاً. عديدة كانت حسناتها. كانت كأيوب الصدّيق عيناً للعميان ورجلاً للمقعدين وأماً لليتامى. كل ما لديها كانت توزّعه على الفقراء حتى لم تخلّف وراءها قنية غير جسدها. وكل ما كانت تعمله كان في الخفاء عن عيون الناس. وقعت من عربتها يوماً وجرّرتها العربة فترضّضت وتجرّحت. ولكن لخفرها وحيائها لم تعرض نفسها للطبيب. اكتفت بالصلاة والاتكال على الله فتعافت بشكل عجيب. اعتمدت في سن متقدمة كما كانت العادة في تلك الأيام وباتت في شوق لأن تنضم بالموت إلى ربّها. عرفت بيوم رقادها سلفاً. جمعت أخصّاءها وزوّدتهم بنصائحها. مرضت قليلاً وماتت ميتة الأبرار القدّيسين.
✥‏ ٩- القدّيس البارّ الكسندروس مؤسّس رهبنة الذين لا ينامون‎ ‎‏(+430م)‏: ولد في منتصف القرن الرابع الميلادي. تلقى العلم في القسطنطينية. خدم عسكرياً لبعض الوقت. زهد في أمور الحياة الدنيا. مس قلبه قول للرب يسوع: "إذا أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء فيكون لك كنز في السماء" (متى21:19). على الأثر وزع خيراته على الفقراء وخرج إلى دير في سوريا على رأسه راهب تقي اسمه إيليا. أمضى ألكسندروس في الدير أربع سنوات سلك خلالها في الصلاة والفضيلة بجد واجتهاد. ولكن، شق عليه أن معيشة الرهبان في الدير مؤمنة بعناية الأب الرئيس. كان يعتبر أن الراهب لا يليق به أن يهتم بأمر الغد. وإذ كان كلياً في تطلعاته، انسحب إلى الصحراء مكتفياً بالإنجيل رفيقاً رغب في السير في ركبه كلمة كلمة. أقام في البرية سبع سنوات مقتدياً بإيليا النبي ومسترشداً بروح الرب القدوس دونما اهتمام بحاجات الجسد. وبعدما اكتملت سنواته السبعة خشي أن يُحسب عبداً كسولاً. وإذ احتدت فيه الغيرة الرسولية، توجه إلى مدينة في بلاد ما بين النهرين حيث دك بيديه وقيل بنار من السماء هيكل الأوثان. وقد تمكن من هداية مقدم المدينة ويدعى رابولا. رغب فيه أهل المدينة أسقفاً عليهم فلم يشأ. سدوا الأبواب ليمنعوه من المغادرة ففر بالطريقة نفسها التي فر بها الرسول بولس من مدينة الدمشقيين. سلك طريق البرية وهدى عصابة من اللصوص. وبنعمة الله جعلهم جماعة رهبان. أقام عبر الفرات عشرين سنة يصلي نهاريه في الجبال ويلجأ في الليل إلى ما يشبه البرميل. وإذ انتشر إشعاعه تدفق عليه التلاميذ فبلغوا الأربعمائة عدداً. حرص الكسندروس على حظ أحكام الإنجيل بدقة. علمهم أن يسلموا أنفسهم بالكامل لعناية العلي. فصاروا يكتون مما يحصلونه لمعيشتهم بما يكفيهم يوماً فيوماً والباقي يوزعونه على المحتاجين. لم يكن للواحد منهم إلا ثوب واحد. همهم الأكبر كان رفع الصلوات والتسابيح إلى الإله العلي. قولة الرسول بولس إلى أهل تسالونيكي كانت تقض الكسندروس. كيف يحقق الصلاة المتواصلة والطبيعة البشرية على ما هي عليه من الضعف؟ ثلاث سنوات قضاها القديس في الصوم والصلاة الحارة إلى الله في هذا الشأن. في نهايتها رأى في رؤيا كيف يمكن الاقتداء بالقوات الملائكية على الأرض. قسم رهبانه إلى أربع فرق وفق جنسية كل منهم: يونانيين ورومانيين وسوريين ومصريين. وقد شاءهم أن يتوزعوا الليل والنهار ليقيموا أربعاً وعشرين خدمة تفصلها قراءات من المزامير والكتاب المقدس بحيث يستمر عمل التسبيح دونما انقطاع اليوم كله ويبقى للرهبان وقت لإتمام الأشغال الديرية والقراءات والصلوات الشخصية. هذه الجماعة هي التي كانت في أساس الطريقة المعروفة بطريقة الذين لا ينامون والتي تعبر عن اشتراك الرهبان في عمل الملائكة الدائم في تسبيح الثالوث القدوس. على أن غيرته الرسولية كانت ما تزال متقدة فيه فوجه إرساليات إلى قبائل وثنية في الجنوب المصري. ثم غاص هو ومائة وخمسون من رهبانه في عمق الصحراء السورية، بين الفرات وتدمر، معتمداً بالكلية في معيشته ومعيشة من معه على حسنات الناس. البخلاء في تدمر أوصدوا أبواب بيوتهم دونه وردوه. تحول إلى أنطاكية. هناك أيضاُ تعرض وجماعته لاضطهاد أسقف المدينة. لكنه تسلل ومن معه أثناء الليل إلى الحمامات العامة المهجورة وأخذوا يقيمون فيها الصلوات فأحالوها ديراً. ومن دون أن يذيع عن نفسه كلمة فاحت رائحة قداسته وصلاته ومحبته فأخذ الناس يهجرون كنائسهم ويتحولون إليه. جعل القديس يعلمهم ويفصل في نزاعاتهم. ولم يتورع من اتهام أسقف المدينة والحاكم بالتهاون والإهمال. كذلك اهتم بالفقراء أكثر من اهتمامه بمعيشة رهبانه. أنشأ مضافة وأخذ يستقبل المعوزين. وأن بعضاً من كهنة المدينة غار منه ومن نجاحه السريع فعمل على طرده من المدينة. ويبدو أنه عومل معاملة قاسية. انتقل الكسندروس من هناك ليزور تلاميذه الموزعين في البلاد السورية. أكمل طريقه إلى القسطنطينية حيث أقام وأربع من رهبانه بقرب كنيسة القديس ميناس. ولم يمض عليه هناك وقت طويل حتى انضم إليه ثلاثمائة راهب: رومانيين ويونانيين وسوريين. كانوا رهباناً سمعوا به – لأن اسمه شاع- فتركوا أديرتهم وجاؤوا إليه. وزعهم على ثلاث فرق، كل فرقة جوقتان واتبع نظامه الأول بشأن الصلاة والتسبيح المستمرين. لكنه لم ينعم بالسلام طويلاً. رؤساء الأديرة التي خرج منها هؤلاء الرهبان اشتكوا واعتبروا عمله جريمة حتى أنه أدين في أحد المجامع كهرطوقي بحجة أنه يكتفي من الحياة المسيحية بالصلاة كجماعة المصلين Missaliens دون سائر الأعمال الإنجيلية الأخرى. قيدوه بالسلاسل وألقوه في السجن وصدر الأمر إلى رهبانه بالعودة إلى أديرتهم التي خرجوا منها. بعد ذلك أخرج القديس إلى البلاد السورية ومُنع من جمع الرهبان. ولكن ما أن جرى إطلاق سراحه حتى عاد الرهبان وانضموا إليه من جديد. هكذا عانى الكسندروس الاضطهاد من مكان إلى مكان. أخيراً وجد ملاذاً في دير القديس هيباتيوس ونعِم باهتمام الإمبراطورة وحسن معاملتها. من هناك توجه إلى البحر الأسود وأسس ديراً ضم ثلاثمائة من الرهبان في المكان المعروف بـ "غومون". هناك رقد في الرب عام 430 بعد جهاد مرير في الحياة الرهبانية والعمل الرسولي داما خمسين سنة. هذا وقد نشر تلاميذ القديس الكسندروس الصلاة المتواصلة في عدة مواضع من الإمبراطورية في زمن تلميذه مركلوس انتقل دير الذين لا ينامون إلى مكان قريب من عاصمة الإمبراطورية وأضحى النموذج الذي اعتمده العديدون في تأسيس أديرتهم. نخص بالذكر في هذا الشأن، دير ستوديون المشهور. ومع أن نمط الذين لا ينامون لم يعد قائماً اليوم إلا أنه مما لا شك فيه أنه أثر تأثيراً كبيراً في تكوين الدورة الليتورجية اليومية الكنسية، سواء في الشرق أو في الغرب.
✥‏ ١٠- القدّيس الشّهيد في الكهنة بوليكاربوس أسقف أزمير (+156م‎(‎: ورد خبر استشهاد القديس بوليكاربوس في رسالة رعائية حررتها الكنيسة في إزمير بعد استشهاده بقليل. هذا كان مطلع الرسالة:" من كنيسة الله فاتي في إزمير إلى كنيسة الله التي في فيلوميلو (فيرجية) وإلى كل الكنائس التي من الكنيسة الجامعة المقدسة..." النص الذي اعتمدناه هو الوارد في كتاب "الآباء الرسوليون" الذي نقله عن اليونانية المثلث الرحمات البطريرك الياس الراع (معوّض) (منشورات النور 1983) . دونك أبرز ما ورد في الرسالة. كتبنا لكم أيها الإخوة عن الذين استُشهدوا وخصوصا عن البار بوليكاربوس الذي انتهى بالاضطهاد إلى الاستشهاد. الحوادث التي سبقت استشهاده وقعت كلها ليُظهر لنا الرب من السماء صورة للشهيد حسب الإنجيل. انتظر بوليكاربوس ان يُسلِّم كالسيد حتى نتشبه به نحن لأن المحبة الحقيقية والأكيدة لا تعني الخلاص الذاتي فحسب بل خلاص كل إخوتنا أيضا. مغبوطة وبطولية الاستشهادات التي تمت حسب ارادة الله. علينا ان ننسب تقدمنا في التقوى إلى الله ذي القدرة والسلطان الشامل. لقد بلغت عظمة النفس في هؤلاء المعترفين بحيث لم تفُتّهم انه من انّاتهم أو عصّة من غصّاتهم فأدركنا في هذه الساعة التي كانوا فيها يتعذبون انهم كانوا فرحين يعيشون وهم يستشهدون خارج أجسادهم أو قل كان المسيح بذاته حاضرا يخاطبهم. وكان انتباههم لصوت النعمة الإلهية يُحقر في أعينهم كل عذابات الدنيا. بساعة واحدة كانوا يربحون الحياة الأزلية. كانت النيران الوحشية التي يشعلها الجلادون بردا بالنسبة للنار الأبدية المستعرة التي كانوا يرونها. كانوا يتأملون في وسط العذاب الخيرات المعدّة للذين يتعذّبون. وما كانوا في هذه اللحظة بشرا بل ملائكة. كان بوليكربوس أعظم الشهداء. بقي في المدينة ولم يُرد ان يتركها. لم ينزعج قط عندما اطّلع على كل ما جرى. بعد إلحاح الأكثرية انسحب إلى مكان ليس ببعيد عن المدينة. كان يقضي نهاره وليله بالصلاة من أجل البشر ومن أجل الكنائس. تراءت له رؤيا قبل ثلاثة أيام من تقييده وهو يصلي. رأى وسادته تحترق فقام إلى رفقائه وقال لهم "سأحرق حيا". ولما كان طالبوه يُلحّون في طلبه انتقل إلى مكان آخر. وصل الشرطإلى المكان الذي ترطه. ألقوا القبض على عبدين فاضطر أحدهم تحت طائلة التعذيب ان يعترف. وصلوا إلى المكان. كان بوليكربوس يرقد في غرفة في الطابق الأعلى من البيت. كان بإمكانه ان ينتقل إلى مكان آخر إلا انه لم يُرد مكتفيا بالقول "لتكن إرادة الرب". عندما سمع صوت الشرط نزل من غرفته وأخذ يخاطبهم فأثارت شيخوخته بهدوئها إعجابهم. دعاهم وقدم لهم في تلك الساعة المتأخرة من الليل طعاما وشرابا ورجاهم ان يسمحوا له بساعة ليصلي بحرية فوافقوا. غرق واقفا في صلاة مدة ساعتين وكانت النعمة الإلهية تملؤه. اندهش سامعوه وأسفوا. عندما انتهى من صلاته أركبوه حمارا وقادوه إلى مدينة إزمي. كانذلك يوم السبت العظيم. في طريقه التفى بالقائد هيرودوس وأبيه نيقيتا فأصعداه إلى عربتهما وحاولا ان يُقنعاه قائلين "ما ضرّك لو قلت للقيصر يا سيدي وذبحت وقمت بما يتبع هذه الذبيحة ونجوت؟ بقي بوليكربوس صامتا إلا انه تحت إلحاحهما اضطر ان يقول لهما :"لن أفعل ما تنصحاني به". وعندما يئسا من إقناعه أمطراه شتما وسبّا ودفعاه بوحشية خارج العربة فسقط على الأرض وانسلخ جلد ساقه لكنه قام وتابع طريقه فرحا. عندما دخل الملعب جاءه صوت من السماء يقول له "تشجع وتقوّ يا بوليكربوس". خاصتنا التي كانت موجودة هناك وحدها سمعت وأدركت. ولما مثل أمام الحاكم حاول الوالي إقناعه قائلا:" احترم شيخوختك". ثم أردف: "احلف بقوة قيصر الإلهية وتبّ وقل فليسقط الملحدون. احلف فأطلق سراحك. اشتم المسيح. فأجاب بوليكربوس: "ستة وثمانون سنة وأنا أخدم المسيح فلم يسئ إليّ بشيء فلماذا أشتم إلهي ومخلصي؟". قال الوالي عندي وحوش ضارية. إني مُلقيك إليها إذا لم تتراجع. قال الأسقف "مَرحا!" قال الوالي: "إذا لم تتب فسأُهلكك فوق المحرقة ما دمت تحتقر الوحوش الضاري". قال بوليكربوس: "انك تهددني بنار تشتعل ساعة واحدة ثم تنطفىء. أتعرف نار العدالة الآتية؟ أتعرف أي عقاب ينتظر الأثمة؟ هيا! لا تتوان، قرّر ما تريده". كان الفرح يغمر بوليكربوس وكان ثابتا في أجوبته ويشعّ نعمة إلهية. فأرسل الوالي مناديه ليعلن في وسط الملعب ثلاث مرات ان بوليكربوس اعترف انه مسيحي. امتلأ الوثنيون واليهود غضبا. "هذا هو معلم آسيا وأب المسيحيين مدمّر آلهتنا الذي منع بتعليمه الكثيرين من تقديم الذبائح وعبادة الآلهة. فصرخ الجميع بصوت واحد أن يُحرق حيا. حدث كل ذلك بسرعة. أخذت الجموع تجمع الحطب والأخشاب من المعامل والحمّامات. وعندما أُعدّت المحرقة خلع بوليكربوس ثيابه وفكّ زنّاره وحاول ان يخلع حذاءه. كان المؤمنون يتسابقون لمساعدته بغية لمس جسده. كانوا يكرمونه لقداسته قبل ان يستشهد. ولما أراد الجلاّد تسميره قال: دعني حرّا. ان الذي أعطاني القوة لملاقاة النار يعطيني قوة لأبقى بلا حراك فوق المحرقة. لم يسمّره الجلاّد بل اكتفى بربطه وربط يديه وراء ظهره. رفع عينيه إلى السماء وقال: أباركك أيها الرب الكلي القدرة لأنك أهّلتني لأكون في عداد شهدائك ومن مساهمي كأس مسيحك لقيامة الروح القدس في الحياة الأبدية بدون فساد. فلأكن في حضرتك كذبيحة مقبولة. وأوقد الرجال النار فارتفعت عالية وهّاجة. في تلك اللحظات حصلت معجزة رآها البعض وآثرنا ان نبقيها سرا على الآخرين. كانت النار ترتفع بشكل قبّة تحيط بالجسد. كان الشهيد يقف في الوسط لا كلحم بتحترق بل كخبز يشوى او كذهب او فضة وُضعت في البوتقة وكنا نتنسّم رائحة كأنها البخور أو عطور نادرة ثمينة. غير أن الأثمة لما رأوا النار قد عجزت عن إهلاك جسسده أرسلوا جلاّدا فضربه تبحربة فخرج دم وأطفأ النار. بين كل الشهداء نعتبر بوليكربوس شهيدا لا يُبارى. كان نبيا ومعلما مليئا بروح الرسل والأنبياء. ولما رأى الشيطان الحسود الخبيث عظمة الشهيد عمل عمله ليمنعنا من حمل جسد الشهيد. فقد ألقى قائد المئة الجسد وسط النار وأحرقه حسب عادة الوثنيين. فيما بعد تمكنّا من إخراج عظامه التي فاقت قيمتها اللآلىء وكانت أشرف من الذهب النقي المختبر في البوتقة، ووضعها في مكان لائق. وكنا نجتمع والفرح يملأنا والسرور يغمر قلوبنا وقدكان يوم استشهاده كيوم ميلاده وتذكارا لأولئك الذين جاهدوا قبلا والذين يستعدّون ويتهيأون لمثل هذا اليوم العظيم. لم يكن بوليكربوس معلما شهيرا وحسب بل شهيدا لا مثيل له. كم نتمنى ان نقتدي به وبآلامه المنطبقة كليا مع روح إنجيل المسيح. بصبره وثباته تغلّب على القاضي الظالم وربح إكليل الخلود. انه الآن مع الرسل والصالحين يمجّد الله الكلي القدرة بالفرح ويبارك سيدنا يسوع المسيح سيد أجسادنا وراعي كنيستنا المنتشرة في أنحاء العالم. هذا أبرز ما وردفي سيرة القديس بوليكاربوس كما وضعتها رعية إزمير. الكاتب، ويدعى إيفارستوس، يختم الرسالة بتحديد تاريخ الشهادة على الوجه التالي: "لاقى بوليكربوس عذاب الاستشهاد في اليوم الثاني من شهر كسنتيكوس قبل سبعة أيام من آذار، يوم السبت العظشم. في الساعة الثامنة أسره هيرودوس في أيام رئيس الكهنة فيليبس تراليانوس. كان استاتيوس كودراتوس حاكما لمعاطعة آسيا". أمبراطور رومية يومها كان أنطونيوس بيوس. بالإضافة إلى هذه السيرة، أورد أفسافيوس القيصري، صاحب التاريخ الكنسي، رواية للقديس إيريناوس، أسقف ليون، عن بوليكاربوس قال فيها انه لم يتلقّ تعليمه من الرسل فقط ولا تعرّف على الكثيرين ممن زاروا المسيح وحسب، بل ان الرسل أيضا أقاموه في آسيا أسقفا على كنيسة إزمير. ويضيف: "ونحن أيضا رأيناه في فجر شبابنا لأنه عمّر طويلا ومات في شيخوخة متقدّمة جدا ميتة استشهاد مجيد بعد ان نادى بصفة مستمرة بما تعلّمه من الرسل من التعاليم التي سلّمتها إلينا أيضا الكنيسة.. يشهد لهذه الأمور كل كنائس آسيا.." ويورد إيريناس خبر تباحث بوليكاربوس مع أنيقيتوس، أسقف رومي، في شأن التعييد للفصح أي يوم يكون. كما يشير إلى ان هناك من سمعوا من بوليكربوس ان يوحنا تلميذ الرب، إذ أراد الاستحمام في أفسس، مرة، رأى كيرنثوس، وهو هرطوقي، داخل الحمّام، فغادره في الحال دون ان يستحمّ صارخا: لنهرب لئلا يسقط الحمّام لأن كيرنثوس، عدو الحقّ، بداخله. كذلك يلفت إيريناوس إلى ان هناك رسالة قوية جدا لبوليكاربوس كُتبت إلى أهل فيليبي يستطيع كل من أراد، وكل من يُعنى بأمر خلاص نفسه، ان يتعلم منها طريقة إيمانه والكرازة بالحق. رسالة بوليكربوس إلى أهل فيليبي ما تزال موجودة إلى اليوم. دونك مختارات مما ورد فيها: "صلوا من أجل القديسين، من أجل الملوك والرئاسات والسلاطين ومن أجل الذين يضطهدونكم والذين ينغضونكم ومن أجل أعداء الصليب حتى تكون ثماركم واضحة وتكونوا كاملين في الله". "أنصحكم بالابتعاد عن البخل وان تكونوا أنقياء محبّي الحقيقة. ابتعدوا عن كل شر. الذي لا يستطيع ان يضبط نفسه كيف يمكنه ان يوجّه الآخرين ويقودهم. من لا يبتعد عن البخل يتّسخ بالوثنية. "لا تتأخروا عن فعل الإحسان فالإحسان يخلّص من الموت. لا تكونوا سببا لشتم الرب. ويل للذين يُشتم اسم الرب بسببهم. علّلموا جميعا الوداعة التي تعيشون فيها". "يجب ان نترك الخطب البطالة والتعاليم الخدّاعة ونعود إلى التعليم الذي نُقل إلينا منذ البدء. لنكن يقظين في الصلاة والصيامات ولنطلب من الله الذي يرى الكل ان لا يدخلنا في تجربة". "يجب أن يكون الشيوخ شفوقين رحماء نحو الجميع... ويتجنّبوا كل غضب ومحاباة الوجوه ومحاكمة الخاطىء.. ولا يصدّقوا فورا ما يقال عن شرور الآخرين ولا يكونوا قساة في أحكامهم واضعين أمام أعينهم اننا جميعا معرَّضون للخطيئة. إذا كنا نطلب من الله ان يغفر لنا فعلينا ان نغفر للآخرين. ونحن كلنا تحت أعين ربنا..". تعيد له كنيستنا الأرثوذكسية في الثالث والعشرين من شهر شباط.


f t g